أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة
kjalabi@hotmail.com في كتاب (الإنسان يبحث عن المعنى) لـ (فيكتور فرانكل) ينصح في قضايا الموت والحياة والأحداث الجسام أن نتفرج فقط، ونستسلم لقانون الطبيعة، فكما يتهاوى ورق الشجر، نهوي نحن إلى رقدة العدم، وقبضة القضاء والقدر.
والرجل حسب فلسفته في علم النفس، يرى المنايا خبط عشواء، وليس فيها من نظام رياضي واضح فلا ينجو صغير قبل كبير، وصحيح قبل معتل، وذكر قبل أنثى.
وكانت زوجتي رحمها الله قد سمعت أن صديقتها أصيبت بمرض خبيث فحزنت عليها، فماتت هي وما زالت المريضة حية ترزق..
وفي فيلم التنبؤ حاولوا أن يصوروا أن الموت له خطة؛ فحاولوا إفشالها فجاءهم الموت من حيث لم يحتسبوا، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
أكفاركم خير أم أولئكم أم لكم براءة في الزبر؟؟
وذكر فيكتور فرانكل وجهة نظره من معتقلات (آوسشفيتس) النازية في الأرض البولونية، التي سقط فيها هو وزوجته، حتى كان ذلك اليوم الذي اقتربت فيه حمامة منه تنظر إليه بلطف مع فلق الصبح، وكانت الأقدار في تلك اللحظة بالذات تخطف زوجته بيد ملائكة الموت فلا يراها قط.
قال الرجل: وفي لحظة سقوط النظام النازي جاءت الحافلات تقلّ الناس خارج المعسكر، والناس تهتف فرحا، وهي تساق للذبح ولا تعرف؟!
حاول أن يلحق بحافلة فلم يقدر، وكانت غاصة بالناس الذين كان النازيون يقولون لهم أنتم في طريقكم للحرية!! فكانوا يسوقونهم مثل الصربيين لأهالي سيبرنيتشكا فيقتلونهم لآخر رجل ثم يدفنونهم في حفر جماعية.
وبعد نصف ساعة كانت قوات تحرير الحلفاء قد وصلت، ونجا الرجل بمحض الصدفة..
وهي ليست صدفة..
فما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا..
وأذكر أنا شخصيا قبل وفاة زوجتي في كندا أنني كنت أستيقظ صباحا منقبض الصدر، فلا أعلم السبب، حتى جاءني الخبر بمصرعها في دار الغربة والبرد والبعد.
والأقدار والإصابات شأنها عجيب فالأخ علوان ذكر لي عن قريب له أنه كان في فلاة من الأرض بعيدة، فلم يشعر إلا وسيارة تعمل حادثا من بعد وتهوي فوقه فتقتله ؟؟
وأنا شخصيا وصديقي ناظم الرفاعي نجونا من الموت بمحض المصادفة في مكان لا يتخيل امرؤ أن يحدث فيه حادث، أما أخوه فقد مات في الأرض الأردنية هو وزوجته في حادث مروري وهو راجع إلى عمله في الكويت فما استطاعوا توصية ولم يرجعوا إلى أهلهم..
أما أنا وناظم فكنا في حديقة البيت في المشفى، وللبيت سور من خشب، وأمامه ساحة للأطباء صغيرة للعب والشواء والجلوس، وكنا جالسين في الحديقة، ثم جاءني هاتف من السماء يقول ادخل البيت فدخلنا، وبعد خمس دقائق سمعنا صوتا كالصاعقة، ولم يخطر في بالي يومها إلا أنها صاعقة ضربت الدش الكبير في الحديقة؟ وحين خرجت أنظر رأيت سيارة لم يوقفها من دخول البيت إلا ارتطامها بجدار المطبخ، ولو حادت مترين لاخترقت كامل البيت ومكتبتي العامرة وربما قتل أحد من في السيارة؟
وعرفنا أنه طبيب بنغالي جاء حديثا إلى المملكة وكان يتدرب على السياقة في هذه الفسحة الصغيرة أمام حديقتي وهو مكان لا يصلح للتمرين وغير مسموح فيه، فشاء القدر أن يهدم حديقتي ولا يصاب هو ولا نحن؟؟
وفي مشفى أولدن بورج حيث كنت أختص نسيت لولب التسخين الكهربي في إناء الماء من الألمنيوم، ثم جاءني هاتف خفي أن أرجع إلى الغرفة فلما وصلت كانت النيران قد بدأت في أكل الفرش، ولو تأخرت ربع ساعة لكان الحريق يلتهم كامل المشفى والمرضى. وربما كانت نهاية رحلة التخصص في ألمانيا والعودة خالي الوفاض مدمر النفسية حزينا على ما حصل.
وفي جبال عسير كانت ابنتي بجنبي فتعرضنا لحادث مهول نجونا منه ونحن لا نصدق، وابنتي نفسها طارت بها السيارة وتقلبت عدة مرات في الأرض الأمريكية فخرجت دون خدش، وأنا عملت خمس حوادث في ألمانيا وقرطبة وعسير تعرضت فيها مرة واحدة لكسر ضلع، وهذا كل شيء، وكان يمكن أن أموت في كل مرة.
وما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها..
أكتب كل هذه الكلمات، وابنتي تروي لي قدر شاب مكافح، جاء إلى الإمارات، ليصاب بضربة سيارة وسائق مجنون في عموده الفقري، مهددا بالشلل النصفي، وهو قد غادر الأهل والأحبة بحثا عن مستقبل فكان القدر في انتظاره.
فهذه هي فلسفة الأقدار والمنايا ... والله يعلم وأنتم لا تعلمون ..
ودع الأقدار تمشي إلى غايتها، فلا تعرف ماذا أخفي لنا وماذا ينتظرنا .. وادع الله فليس من سبيل للسيطرة على الأقدار..
منقول من الصحيفة الاقتصادية الالكترونية